أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
ملخص المقال بغير عمل لن تنزل الصاعقة على العدو، وبغير جهد وبذل وعطاء لن يتم نصر، هذه سنة سارية في تاريخ المسلمين وفي قصة التتار يوضحها د. راغب السرجاني.الغزو التتري للشيشان وروسيا -(12) كثير من المسلمين يُحبَطون من رؤية الظالمين يتمكنون من رقاب المؤمنين, ويتعلقون بأهداب أمل بعيد أو مستحيل أن تنزل صاعقة من السماء على الكافرين فتهلكهم، بينما يراقب المسلمون الموقف عن بعد!!..
لابد أن يعتمد المسلمون على أنفسهم، وعلى سواعدهم، وعلى شرعهم ومنهجهم.. لابد أن يقدم المسلمون العمل الخالص لله عز وجل، والصحيح على منهاج النبوة، لكن بغير عمل، لن تنزل الصاعقة على العدو.. وبغير جهد وبذل وعطاء.. لن يتم نصر، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7].
هذه سنة سارية في تاريخ المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتتكرر الآن في قصة التتار.
حاصر التتار «هَمَذَان» (من مدن إيران حاليًّا)، ثم دار القتال بعد ذلك مع أهلها بعد أن انقطع عنهم الطعام، ووقعت مقتلة عظيمة في الطرفين، لكن في النهاية انتصر التتار، واجتاحوا البلد، وسفكوا دماء أهلها وأحرقوا ديارها[1]، ثم تجاوزوها إلى «أردويل» (أَرْدَبِيل)(من مدن إيران أيضًا) فملكوها وقتلوا من فيها وخرَّبُوا وأحرقوا[2].
على أبواب تبريز: اتجه التتار إلى تبريز (المدينة الإيرانية الكبيرة)، وكان التتار قد رضوا سابقًا بالمال والثياب والدواب من صاحبها المخمور «أوزبك بن البهلوان»، ولم يدخلوها لأنهم جاءوا إليها في الشتاء القارس؛ أما الآن وقد تحسَّن الجوُّ وصفت السماء، فلا مانع من خيانة العهود ونقض المواثيق. لكنهم -في طريقهم إلى تبريز- علموا بأمر قد جدَّ على هذه البلدة؛ لقد رحل عنها صاحبها المخمور أوزبك بن البهلوان، وتولَّى قيادة البلاد رجل جديد هو «شمس الدين الطغرائي»، وكان رجلاً مجاهدًا يفقه دينه ودنياه، فقام : يُحَمِّس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوَّة[3]، وقوَّى قلوبهم على الامتناع، وحذَّرهم عاقبة التخاذل والتواني، وعلَّمهم ما عرفوه نظريًّا ولم يُطَبِّقُوه عمليًّا في حياتهم على الإطلاق: عَلَّمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبدًا، وأن رزقه وأجله قد كُتبا له قبل أن يُولد، وأن المسلمين مهما تنازلوا للتتار فلن يتركوهم؛ إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم، أما بغير قوَّة فلن يُحمى حقٌّ على وجه الأرض.
تحرَّكت الحمية في قلوب أهل تبريز، وقاموا مع قائدهم البارِّ يُحَصِّنُون بلدهم، ويُصلحون الأسوار، ويُوَسِّعُون في الخندق، ويُجَهِّزُون السلاح، ويضعون المتاريس، ويُرَتِّبُون الصفوف، لقد تجهَّز القوم -وللمرة الأولى منذ زمن- للجهاد!
وسمع التتار بأمر المدينة، وبحالة العصيان المدني فيها، وبحالة النفير العامِّ؛ سمعوا بدعوة الجهاد، والتجهز للقتال... سمع التتار بكل ذلك، فماذا فعلوا؟
قد يعتقد بعض القرَّاء أن التتار قد غضبوا وأرعدوا وأزبدوا، وغلت الدماء في عروقهم، وعلت أصواتهم، وجمعوا جيوشهم، وعزموا على استئصال المدينة المتهوِّرة.
أبدًا.. كل ذلك لم يحدث!
لقد أخذ التتار قرارًا عجيبًا!
لقد قرَّرُوا عدم التعرُّض لتبريز، وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا راية الجهاد في سبيل الله! لقد ألقى اللهُ عز وجل الرعب في قلوب التتار -على كثرتهم- من أهل تبريز على قلتهم؛ لقد نُصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر[4]، وكذلك ينصر بالرعب كلُّ مَنْ سار على طريقه صلى الله عليه وسلم.
لقد فعل الجهاد فعله المتوقَّع؛ بل إن القوم لم يُجاهدوا، ولكنهم فقط عقدوا النيَّة الصادقة، وأعدُّوا الإعداد المستطاع؛ فتحقَّق الوعد الرباني -الذي لا خلف له- وهو وقوع الرهبة في قلوب أعداء الأُمَّة، وهذا درس لا يُنسى.
ورحم الله شمس الدين الطغرائي الذي جدَّد الدين في هذه المدينة المسلمة.. تبريز.
اجتياح بَيْلَقَان: وهي من مدن إيران حاليًّا، وللأسف فإنها لم تفعل مثل فعل تبريز، ودخل التتار البلدة في رمضان 618 هجرية، ووضعوا فيها السيف، فلم يُبقوا على صغير ولا كبير ولا امرأة؛ حتى إنهم -كما يقول ابن الأثير- كانوا يشقُّون بطون الحبالى ويقتلون الأجنَّة، وكانوا يرتكبون الفاحشة مع النساء ثم يقتلونهن، ولما فرغوا من البشر في المدينة نهبوا وخرَّبُوا وأحرقوا كعادتهم؛ ولا حول ولا قوَّة إلا بالله[5]! على أبواب كَنْجَة: سار التتار إلى مدينة كَنْجَة المسلمة، وفعل أهلها مثلما فعل أهل تبريز[6]، وفعل التتار معهم مثلما فعلوا مع أهل تبريز؛ لقد أعلن أهل كَنْجَة الجهاد وأعدُّوا العدَّة المستطاعة، فما دخل تتري واحد مدينتهم، بل تركوها إلى غيرها.
ليس من قبيل المصادفة أن البلاد التي رفعت راية الجهاد، وأعدَّت له هي البلاد التي لم يجرؤ التتار على غزوها! ليس هذا من قبيل المصادفة أبدًا؛ إنها سُنَّة من سنن الله عز وجل، ولو فعلت ذلك كل مدن المسلمين ما استطاع التتار ولا غيرهم أن يطئوا بأقدامهم النجسة أرض المسلمين، لقد حافظ المسلمون على هذه البلاد سنوات وسنوات، لا بكثرة الأعداد، ولا بالاتفاقيات والمعاهدات؛ إنما حافظوا عليها بجهاد صادق، ودماء زكية، وقلوب طاهرة مخلصة.
وسُنَّة الله لا خلف لها.. إنما الذين يُخالفون هم العباد.
والله عز وجل {لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: 44].
اجتياح داغستان والشيشان: وهما تقعان في شمال أَذْرَبِيجَان على ساحل بحر قزوين من ناحية البحر الغربية، وهما من البلاد المسلمة الواقعة تحت الاحتلال الروسي الآن، ونسأل الله لهما التحرير الكامل، وقد قام التتار كعادتهم بتدمير كل شيء في هذه البلاد، وقَتْل معظم مَنْ وجدوه في طريقهم، وكانت أشدّ المدن معاناة من التتار هي مدينة شماخي المسلمة (في داغستان الآن)[7]. اجتياح الجنوب الغربي من روسيا: استمرَّ التتار في صعودهم في اتجاه الشمال، وبعد الانتهاء من الشيشان وصلوا إلى حوض نهر الفولجا الروسي، واستمرُّوا في قتال أهل هذه المناطق، وكانوا جميعًا من النصارى، وأثخنوا فيهم القتل، وارتكبوا معهم من الفظائع ما كانوا يرتكبونه مع المسلمين[8]. وبذلك انتهت سنة 618 هجرية، وقد وصل التتار إلى أرض الروس، وأصبحت كل البلاد ما بين شرق الصين وجنوب غرب روسيا ملكًا لهم.
سنة 619 هجرية: في هذه السنة استمرَّت العمليات التترية في منطقة أرض الروس، وأكَّد التتار سيطرتهم على المناطق الإسلامية الشاسعة ما بين الصين والعراق؛ فثَبَّتُوا أقدامهم في كل بقاع الدولة الخُوارِزمية، وهذا يشمل الآن أسماء الدول الآتية من الشرق إلى الغرب: 1- كازاخستان.
2- قيرغيزستان
3- طاجيكستان.
4- أوزبكستان.
5- تركمنستان.
6- باكستان؛ (باستثناء المناطق الجنوبية فيها، والمعروفة بإقليم: كَرْمَان).
7- أفغانستان.
8- معظم إيران (باستثناء الحدود الغربية لها مع العراق والتي يسكنها الإسماعيلية).
9- أَذْرَبِيجَان.
10- أرمينيا.
11- جورجيا.
12- الجنوب الغربي لروسيا.
سنة 620 هجرية: بينما كان جنكيزخان يبسط سطوته على الدولة الخُوارِزمية استمرَّت الحملات التترية على منطقة روسيا. ولي تعليق على حادثتين وَقَعَتَا في هذه السنة؛ لتوضِيح حال المسلمين في هذه الفترة، والوقوف على الخذلان الذي أصابهم، وكيف أنهم استحقوا الهزيمة، ولم يُؤهلوا للنصر.
الحادثة الأولى: هذه الحادثة ذكرها ابن الأثير في الكامل في التاريخ وقدَّم لها بعبارة: «حادثة غريبة لم يُوجد مثلها!».
والحادثة فعلاً غريبة، ومأساوية إلى أبعد درجة!
والحادثة تذكر أن مملكة الكُرْج النصرانية بعد أن أتمَّت صلحها مع المسلمين، وصل إلى قمَّة الحكم فيها امرأة؛ فطلب منها الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة أن تتزوَّج رجلاً يُدير عنها شئون البلاد، ويكون في الصورة أمام الأعداء وفي المفاوضات.. وغير ذلك؛ فأرادت أن تتزوَّج من بيت مُلك وشرف؛ ولكنها لم تَرَ في مملكة الكُرْج مَنْ يصلح لهذا الزواج، وسمع بهذا أحد ملوك المسلمين وهو «مغيث الدين طغرل شاه بن قلج أرسلان»[9] وهو من ملوك السلاجقة، وكان يحكم منطقة الأناضول (تركيا الآن)، وكان له ولد كبير، فأرسل إلى الملكة يطلبها للزواج من ابنه، فرفضت الملكة وقالت: لا يمكن أن يملك أمرنا مسلم.
فماذا فعل الملك مغيث الدين بن قلج أرسلان؟
لقد قال لهم: إن ابني يتنصَّر ويتزوَّجها!
فوافقوا على ذلك، وبالفعل تنصَّر الولد، وتزوَّج من ملكة الكُرْج، وانتقل إلى مملكتهم؛ ليكون حاكمًا عليهم، وبقي على نصرانيته، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله[10]!
لقد وصل المسلمون في هذه الآونة إلى درجة من التردِّي يستحيل معها النصر، فكيف تأتي فكرة التنصُّر في ذهن الملك وابنه أصلاً، فضلاً عن تطبيقها، ولو كان سيحكم الأرض كلها بعد التنصُّر؟! ثم أيأتي ذلك من ملك عظيم يملك الأناضول؟! لو أتى ذلك من ضعيف مستعبد؛ لقلنا: لعلَّه استُكْرِه على ذلك. أما أن يأتي العرض من الملوك، وهم الذين يُطلبون، فهذا ما لا يتخيَّله عقل!
ولاستكمال الصورة يجدر بنا أن نذكر مصيره؛ لكي نرى كيف يكون حال مَنْ باع دينه بدنياه؛ لقد تنصَّر الأمير المسلم وتزوَّج الملكة الكرجية، ومرَّت الأيام، ثم علم الأمير الزوج أن زوجته الملكة تهوى مملوكًا لها، وكان يسمع عنها القبائح الشنيعة ولا يتكلَّم، فهو وحيد في مملكة واسعة، ثم إنه دخل عليها يومًا فرآها مع مملوكها في فراشه، فأنكر ذلك، وأراد أن يمنعها من استمرار العلاقة، فقالت له الملكة بكل جبروت: «إمَّا أن ترضى بهذا وإلا فلا تبقَ». فقال: أنا لا أرضى بهذا. فنقلته إلى بلد آخر، ووكلت به من يمنعه من الحركة، وحجرت عليه، ثم تزوَّجت غيره[11]!
نعوذ بالله من الخذلان! ونسأل الله أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاه.
الحادثة الثانية: حدث في العام نفسه أمر قد يعتقد البعض أنه مصادفة، وأن توقيته غريب؛ فالمصائب كانت كثيرة على الأُمَّة في هذه السنين، والحالة الاقتصادية متردِّية، وكذلك الحالة السياسية والعسكرية والأخلاقية؛ وفوق كل المصائب التي ذكرناها فقد هجم الجراد بكميات هائلة على أكثر أقاليم المسلمين، وأهلك الكثير من الغلات والخضر بالعراق والجزيرة وديار بكر والشام وفارس وغيرها[12].
أكان هذا على سبيل المصادفة؟!
أبدًا والله.. إنه لفي كتاب الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف: 96].
هذه حقائق ثابتة في كتاب الله عز وجل.. إذا ترسَّخت التقوى في الأُمَّة فُتحت عليها البركات من السماء والأرض.
وإذا رُفعت التقوى -كما رأينا من حال المسلمين في تلك الحقبة من الزمان- رأينا الأزمات والشدائد والمصائب؛ بل إن الله عز وجل ذكر الجراد خاصَّة كوسيلة من وسائل إثبات قدرته على مَنْ لم يتَّبِع نهجه وشرعه؛ قال الله عز وجل عن قوم فرعون: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف: 133].
وسبحان الله! كلنا رأى الجراد الذي هجم على العالم الإسلامي في عام 2004م ثم 2005م، ويُكَرِّر هجمته من آنٍ لآخر؛ وأنا أرى أن هذا ليس مصادفة، ولكنه لفت نظر للمسلمين، وتذكير لهم بالتاريخ، ودعوة لهم للعودة إلى الله عز وجل؛ وإلا فرحلة الجراد القادم لن تكون رحلة عابرة؛ بل ستكون إقامة واستيطانًا! ونعوذ بالله من غضبه! ونسأله أن يُبَصِّرَنَا بسننه، وأن يرزقنا التقوى والإخلاص والعمل.