فن الصباغة 1-12

المنسوجات جزء من حياتنا اليومية، بدء من الملابس التي نرتديها إلى أغطية السيارات، وتاريخ الصباغة وحاضرها ومستقبلها يرتبط أيضا الطريقة التي نعيش بها حياتنا.
الصبغة هي مواد تستخدم لإضفاء الألوان على المنسوجات والملابس والجلود والرق، بحيث لا يتغير اللون تحت أي ظروف، وتأتي من باتات وحشرات ومواد كيميائية.

بداية اكتشاف الأصباغ

من بين جميع الصبغات يعتبر النيلي هو الصبغة الأكثر شهرة، وهو النبات الذي لون أكفان دفن الملك توت عنخ آمون ومؤخرا أعطى ملابس الجينز لونها الأزرق، وهناك العشرات من الأصباغ الأخرى التي حرضت على القتل والخداع، وكسبت الثروات وخسرتها، وحولت الملابس إلى رمز للمكانة الاجتماعية منذ آلاف السنين

 فن الصباغة 2-1-scaled

ومر ما يقرب من 26 ألف عام منذ أن بدأ البشر في الصباغة. في البداية كان يتم الأمر من خلال ترك وعاءًا من الصبغة يغلي، بينما كانت حيوانات الماموث الصوفية والقطط ذات الأسنان السيفية تجوب الأرض. وبالفعل، في عام 2009، عثر العلماء على ألياف من الكتان المصبوغ يصل عمرها إلى 34 ألف عام في كهف في جبال القوقاز في جمهورية جورجيا السوفيتية السابقة.وعثر على أقدم عينة من الصبغة المصنوعة من نبات الفوة، وهو نبات عشبي ذو زهور حمراء ليمونية، على مومياء في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم النائية في الصين، والتي من المحتمل أن تكون واحدة من آخر المناطق التي استوطنها البشر.
والمدهش في الأمر أن المومياء يعود تاريخها إلى حوالي 300 ميلادي، وقد وجدت مغطاة بقفطان من الصوف القرمزي المبطن بالحرير الأحمر المصبوغ بالفوة، بأسلوب يلمح إلى التأثيرات اليونانية والفارسية والصينية.

أصباغ الحشرات

احد المصادر الشائعة للصبغة الحمراء التي يعود تاريخها إلى 4000 عام هي الأصباغ المصنوعة من الحشرات، بما في ذلك القرمزية، ومازالت شركات النسيج الأوروبية ترسل جواسيس إلى تركيا، لاستخلاص الأسرار لخلق اللون الأحمر الفوة ثابت.
وفي الوقت نفسه، في مدينة لوكا الإيطالية في القرن الثالث عشر، قام الصباغون بحماية سبل عيشهم بقوانين شرسة، فكانوا يقومون بالقبض على من يستخدم صبغة حمراء “رديئة” مصنوعة من جذور مثل الفوة، بدلاً من الحشرات المسحوقة مثل الكيرمز..

 فن الصباغة 3-1

ومثل العديد من الأصباغ، فإن عملية التلوين بالفة طويلة وبغيضة وخطيرة، مما يجعلها غير مناسبة لضعاف القلوب، حيث أن هناك 11 خطوة مطلوبة لصبغ الصوف بالفوة. يذكر أنه يتم نقع الخيوط في غسول صودا ضعيف، ثم تشطف في النهر. بعد ذلك، يتم غمر روث الأغنام في محلول الصودا، ويخلط مع زيت الزيتون، ثم يصفى ثم يتم تمشيطه عبر الخيوط للتخلص من الكتل. وكلما زاد حجم كتلة روث الأغنام وزيت الزيتون، زادت احتمالية اشتعال الخليط.
ورغم ذلك، ليست كل الأصباغ الطبيعية تأتي من النباتات. على مر القرون، تم صنع العديد من الألوان الشائعة من الحشرات واللافقاريات.
وفي قمة الطيف الأحمر يوجد اللون القرمزي، وهو ظل قرمزي عميق يسمى “الصبغة الحمراء الطبيعية الأكثر شهرة”، المصنوعة من الحشرة الطفيلية التي تحمل الاسم نفسه. ويعود تاريخ استخدام القرمزية إلى ما بين 300 قبل الميلاد و200 قبل الميلاد؛ يتطلب الأمر حوالي 70 ألف حشرة مجففة لصنع رطل من مسحوق الصبغة، وهو ما يكفي لتحويل 13 سترة صوفية إلى اللون الأحمر الساطع.
 فن الصباغة 4-1

في الماضي، كان يتم إنتاج اللون الأرجواني أيضًا من الكائنات البحرية، وخاصة حلزون الموريكس، إذ يعتبر اللون الأرجواني من أصعب الأصباغ الطبيعية التي يمكن الحصول عليها.
وكانت تعتبر ألوان الملوك، حتى أن يوليوس قيصر قد أصدر مرسومًا بأنه هو الوحيد الذي يمكنه ارتداء أرقى العينات الملونة. كما أن إمبراطورًا رومانيًا آخر، كاليجولا الوحشي، لم يتعامل بلطف عندما ارتدى بطليموس، ملك موريتانيا، عباءة أرجوانية أثناء الزيارة، ووفقًا للمؤرخ الروماني سويتونيس، قتل بطليموس.

الصبغة الاصطناعية والبيئة

كان اللون الأرجواني موجودًا في بداية طفرة الصباغة الحديثة، لكن في عام 1865، اكتشف مراهق إنجليزي يُدعى ويليام هنري بيركين بالصدفة صبغة صناعية، وقد أطلق على هذه الصبغة، التي تعد أول صبغة صناعية يتم إنتاجها بكميات كبيرة، اسم موفين، وهي أرجوانية نابضة بالحياة والتي أصبحت رائجة في عالم الموضة.



 فن الصباغة 9781954957008-pursuit-of-color-cochineal-smithsonian-cochineal-scan-nmnhbotany-12918992
يحتوي صبار التين الشوكي على صبغة البيتالين التي تخلق لونًا أرجوانيًا ورديًا.

وأحدثت الأصباغ الاصطناعية الحديثة ضجة، ففي عام 2017، تم العثور على كلاب زرقاء في نهر في مومباي أسفل مجرى النهر من مصنع للطلاء والبلاستيك، وقد انتشر الفيديو على نطاق واسع، وذلك لأنه سلط الضوء على الآثار البيئية المترتبة على الأصباغ الصناعية الملقاة.
ولا تزال العمليات الخطرة في المصانع الكيميائية مستمرة حتى يومنا هذا، ويمثل الاستهلاك المفرط مشكلة كبيرة. وفقًا لتقرير نبض الصناعة الصادر عن أجندة الموضة العالمية، فإن المستوى الإجمالي لنفايات الموضة المتوقعة لعام 2030 هو 148 مليون طن، وينتهي الأمر بالغالبية العظمى من نفايات الملابس في مدافن النفايات أو يتم حرقها. وعلى الصعيد العالمي، يتم جمع 20% فقط من الملابس لإعادة استخدامها أو إعادة تدويرها.
ولا زال الخبراء يحاولون إحراز تقدم في الممارسات المبتكرة مثل معالجة المياه باستخدام الفطر الذي يمتص الملوثات، والهندسة الوراثية التي تحول الحمض النووي للأقمشة بحيث لا تحتاج إلى صبغ، فإن اللون الكيميائي لا يزال عملاً تجاريًا كبيرًا والأصباغ الاصطناعية منتشرة في كل مكان.